جمعة ثقة




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كيف حالكم جميعاً ؟ أتمنى أن تكونوا ممن لم ينسَ إهداء الشهداء دعوة .

لن أتحدث اليوم عن الثقة و كيف يتم التمييز عمّن يستحق الثقة ممن لا يستحقها , و ما هو مقدار الثقة الذي يُمنح للأشخاص , و ما هي الثقة أساساً ..
بل سأتحدث عن موضوعٍ محدد , عن الثقة بالله .


لنقف قليلاً عند بوابات العشق و نتعرف على هذا الرب العظيم ..

فنتعرّف على من يدير شؤون أصغر الكائنات من نملٍ و طلائعيات .. إلى أضخم الكائنات و أعقدها تكونياً .. يدبر جميع شؤون حياة كل هذه المخلوقات مهما صغر حجمها أو كبر بلا تعارض أو حادثٍ يشغله بأحد هذه الكائنات عن الأخرى فيحصل مخلوقٌ على قوت يومه بينما الآخرين لا يُقسَمُ لهم شيءٌ في هذه الحياة .. بل يدبّر أمور كلٍ منا بشكلٍ دقيق جداً .. فقد رُتِّبَ لكَ أن تقرأ هذه التدوينة اليوم , أُختِير لكَ أن تحظى بموهبةٍ محددة لا يمتلكها الجميع , دبَّر لك ترتيباً خاصاً لحياتك و فتح لك كل منافذ النور .. و أدار لكَ الكون لتستطيع أن تفهم أن هذه هي منافذ النور التي يجب ولوجها لدخول عالم الملكوت .. و المدهش أنه حينما يمتلئ عقلي بأسئلةٍ أحتاج لإجاباتها يُرتَّبُ لي أن أحضر محاضرةً تحمل تلك الأجوبة ! رَتَّب ليَ الأمر لأحصل على المعلومات ! بالنسبة لي فعلى الأغلب ملقي المحاضرة هو مجرد أداةٌ وضعها الله في طريقي لأصل , و لكن كما رتَّب لي أن أحظرها فكذلك ملقي المحاضرة كان مرتباً له أن يهديَ قلوباً كثيرةٍ نحو العلم و أن ينال تجربةً مخضرمةً أكثر عن طريقة تقديم المحاضرات ليتخطى اختبار المحاضر المثالي في اليوم التالي ! بالنسبة له نحن مجرد أداةٍ وضعها الله لتساعده في تطوير مهاراته و تساعده على هدفه في إنارته للعقول .. مدهشٌ جداً هذا التدبير المتناسق ! فهو دقيقٌ جداً يأخذ بيد كل شخصٍ إلى الوجهة المُنتظَرة و يرتّبُ وضع الآخرين وفقاً لوجهاتهم و بطريقة عجيبةً يوضعون لخدمة طريقكَ أنت أيضاً !

هذا التدبير العظيم ليس شيئاً يختلف عن علم الله , فهو مطَّلِعٌ على نوايانا , أحلامنا , آلامنا , ظاهرنا , أعمالنا , باطننا , تفكيرنا , ضعفنا , قوتنا ! و تدبيره و علمه ليسا شيئاً يختلف عن حكمته , فكل شيءٍ يحصل يحصل لسبب .. و كل أمرٍ يُوضَعُ في محله المناسب له تماماً في الوقت المناسب تماماً تحت منظومة هذا التدبير الكامل المذهل ! .. كل هذه التربية العظيمة تتحرك بكل شخصٍ منا ليصل إلى أكمل أكمل درجة كمالٍ يستطيع الوصول إليها !

هذه مجرد رشفات على بوابات الشوق , و لكن المعرفة الحقة أعمق .. أعمق بشكلٍ يصعق العقل ببهاءه !
إذن فحينما نعرف حتى هذا المقدار البسيط , ف إن نزل ما نزل بنا من البلاء فهو ( قطعاً و يقيناً ) بعين الله و تحت رعايته !
و هو قادرٌ على دفعه و أعلم مِنَّا بكيف نصل إلى النور , و كل ما يحصل هو لحكمةٍ تصل بنا إلى أعلى درجةٍ يمكن لنا أن نصل إليها !
حينها , سنستطيع رؤية كل الجمال المخفي في كل الأقدار و إن غُلِّفت بابتلاء مؤقت .. فهي حتماً ستوصلنا إلى كمالٍ منقطع النظير !
و حينها سنسمع همسَ الريح و هي تنقل لنا صوت إمامٍ عظيم قُتل طفله الرضيع عطشاناً بسهمِ غَدَرَ بطلب والده ماءً ليسقوه .. سنسمع ما قاله يومها بقلبٍ متيّقن : " هوّن ما نزل بي أنه بعين الله "
 .


حينما نعرفُ مَن بيدهِ مقادير و شؤون هذا الكون بكل تفاصيله , و نعلم أن يعلم بكل ما يحصل لنا هو لِحكمةٍ مخزونةٍ في الغيب بأجمل الكنوز , أنهُ يسمع دمعَ شكوانا في الليل و صدق حَمْدِنا في سجدةِ الشُكر .. حينما نَعرِفهُ سنثق بكل طمأنينة , و سنوكّل كل أمورنا إليه بقلبٍ يطوف الأمواج , بقلبٍ غير مهددٍ بالغرق ..

جمعتكم لا تخلو من إرسال دعواتكم للشهداء و الموتى , الأحياء و المرضى و كل محتاج ..
و دعواتٌ بالصبر و تثبيت قلوب كل من فقد أحبائه فنالوا درجة الشهداء و نال هو بصبره درجة الرضا ..
و دعاءٌ يتفرد على ساحات الأدعية بتعجيل الفرج الإلهي و أن نكون من الممهدين له و من أنصاره .


جمعةٌ بقدر ما تكتسيه من الوجع بين طيات سنة 61هـ , إلا أنها تعلمنا عمق الثقة بالله ..
جمعتكم ثقةٌ مطلقة .



( ألهمني لكتابة هذه التدوينة درسٌ احتوى على كثيرٍ من معانِ الجمال , و ما هو هنا جزءٌ منه )









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق