جمعة البنيان المرصوص




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
كيف حال غزة في قلوبكم ؟ 

هناك آلام تُدرَك و لا توصَف .. مهما كان الوصف طويلاً , يبقى من يتجرعه في الواقع يشعر بطعمه المر أكثر ممن يقرأ أو يسمع وصف مرارة الطعم . 
هل يمكنك الشعور بما يحدث في تنفس هذا الرجل ؟ في حركة شرايينه و نبض قلبه ؟ بالألم الذي يشعر به ؟


هل جربت يوماً هذه الحياة لتعرف طعمها ؟ 


هل جربت أن يحدث انفجار مروع أخذ معه كل شيءٍ في ثوان ! هل جربت أن يسرق منك هذا الانفجار أباً , أخاً , زوجةً , أماً , زوجاً .. و أن يبقى فمك من هول الصدمة مفتوحاً و قبل أن تستوعب أنت ما جرى يأتي إليك إخوتك و ابناءك و هم يبكون بشكلٍ تعلو و تهبط فيه صدورهم بسرعة كما تتساقط منهم الدموع بنفس السرعة .. هل جربت أن تكون وسط بكاءٍ و نجيبٍ و ضجيج و أنت بنفسك تريد أن تصرخ بكاءً لتخرج ذلك الوجع ! و رغم ذلك تبتسم بحرقة لكيلا يتجرع الأطفال وجعاً مضاعفاً ؟ 


هل تعرف شعور أن تذهب لـ ما تبقى من مدرستك ؟
و هل اعتدت الالتفات قبل الدخول إلى الطريق لتتأكد من عدم وجود طلقةٍ تستقر في جسدك ؟ 


هل تعرف شعور أن تصوّب فتحة بندقة إلى شخصٍ عزيزٍ جداً جداً عليك ؟ هل تعرف شعور إحتماء الأطفال بك و أنت تشعر برجفة أيديهم في كل خلية من خلاياك ؟! هل تعرف شعور أن تفقد شخصاً عزيزاً أمامك ! 


هل تعرف شعور طفلةٍ قُتلت عائلتها أمامها , و بعد أن تولت معلمتها مسؤوليتها و أسكنتها معها .. يأتي ذات القاتل لينهي آمال هذه الطفلة ؟! هل تعرف شعور طفلٍ يرى قاتل أهله في الأزقة ماشياً بسلاحه الدموي و هو يضحك ! هل تعرف شعور طفلٍ اكتفى من هذه المناظر فأصبح رجلاً قبل إكماله سنينه العشر لا يهاب فوهة المسدس حينما تستقر فوق صدره ؟! 


هل تعرف تلك المحادثة التي تدور بين أختين ..   تقول فيها الصغرى : أين سننام اليوم ؟ فتجيب الأخرى : تحت النجوم .. أي نجمة ستكون فوقي؟ .. تلك التي تتلألأ .. ألن ننام في منزلنا ؟ .. لا , لقد خرجنا .. لمَ خرجنا ؟ .. لم يعد في المنزل أبي و أمي .. و أين أبي و أمي ؟ .. تعصف الذاكرة بذهنها فتتذكر أنهم ذهبوا مع المنزل , حينما عدنا من المدرسة ذلك اليوم و رأينا بقايا صاروخ مختلطة ببقايا منزلنا الذي احتضن جثتي أمي و أبي .. 
تسقط الأخت باكيةً على الطريق فتلحقها الصغرى .. كل منهما تبكي بحرقة و تحتضن الأخرى بقوة ..  ="( 


هل تعرف شعور الخوف ؟ 
انفجار لم تخمد نيرانه بعد و هناك احتمال بأن يفجّر المكان في أي لحظة .. و لكن هناك ضحايا بالداخل ! 
هل جربت يوماً أن ترتجف كل كل خليةٍ فيك ؟ و لكن من بالداخل كل خلية فيهم تستغيث ! 
هل تعرف فلسطين ؟ أعرف فيها من يختارون إنقاذ الضحايا بدون تلك ال"10 ثوان" التي يستخدمها البعض للتفكير .. 


هل تعرف معنى الألم الذي يعانيه هذا الطفل ؟ أوَ تعلم كم طفلاً حُرِقَ ظلماً ؟ 
لندخل قليلاً في حياتك .. هل تعرفين شعور أن يعتقل ابنك لمدة سنة .. و في يوم اللقاء الفجائي يأتي إليك جسداً ممزقاً محروقَ الجلد .. يأتي إليكِ لوحةً تستغيث , جسداً يحكي عن عذابات لم تكن تتصوريها ..
هل تعرف شعور أن يأني جسد ابنتك التي تبتسم دائماً .. بوجه أصبح فحماً و بتعابير تدل على مدى الألم الذي قاسته ! هل تعرف شعور أنها كانت على بعدٍ قريب منك و لكن الصاروخ كان أسرع منك يومها ! 


هل جربت قسوة و مرارة طعم تلك الدموع ؟ حرقة ذلك البكاء الذي كلما حاولت التخلص من ألمه بقي جاثماً على صدرك ؟! 


بثانيةٍ واحد , تذكر شخصاً عزيزاً عليك .. 
..
كيف سيكون شعورك لو أنك مع من في الصورة , و تحمل هذا العزيز ؟!

شعورٌ يدرك و لا يوصف .. من يكون في المواقف يتجرع غصةً لا يمكن وصفها .. ألماً لا يمكن للأحرف أن تشمله .. قلباً يكتوي , صدراً يعتصر , عيناً أصبحت بحراً لا تنتهي قطراته , و حلقاً جف من الصراخ و النحيب .. 


هناك من عاش , خاض , جرب , و تذوق حرقة مرارة هذه المواقف .. 
و لأنه لا يريد لأحدٍ أن يعيشها مجدداً و لا أن يكتوي قلبه فقداً مجدداً .. 
فهو يواجه ذلك السلاح الذي قتل عائلته يوماً , و الذي أحرق منزلهم يوماً , و الذي روّع أطفالاً خوفاً من أن يفقدوا شيئاً آخر يوماً .. 
هناك الكثير ممن يقفون أمام هذا الـ " السلاح الدموي " في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه الأحرف ..
أجل نحن في شهر رمضان , أجل نحن في فصل الصيف , أجل هم يركضون و يلهثون .. و لكن أجل هم صامدون .


هناك الكثير الكثير ممن أدرك شناعة هذه الجرائم , أدرك ألماً , وجعاً .. فأراد أن يكون بلسماً هذه الجروح و لو من بُعْدْ . 

من هم في داخل فلسطين الآن , و من هم في خارجها .. كلهم يقفون صفاً لصف , مشكلين بنياناً مرصوصاً .

لأن ما يحصل فاق حدود الجغرافيا الأرضية لحدود فلسطين , لأن الجرم تعدى أخذ الأراضي إلى أخذ الأرواح .. باتت قضية فلسطين على عاتق الإنسانية و على عاتق كل منظمة تدعي أنها تحمي حقوق الإنسانية , و على عاتق كل شخص إنسانيّ بحق .
و بكلمات أقل : كل الإنسانية اليوم تقف بنياناً مرصوصاً لا يتزلزل .

شارك بدعوة , برسمة , بكلمة , بوقفة حق , بموقفٍ لا يتزلزل , بمساعدة .
دعواتٌ لهم بالنصر العاجل , دعواتٌ للشهداء و الموتى , الأحياء و المرضى و كل محتاج .. 
و دعوةٌ تتفرد على ساحات الأدعية بتعجل الفَرَج الإلهي و أن نكون من الموفقين للتمهيد له .


جمعتكم #جمعة_البنيان_المرصوص .

* جمعة أخرى في حق القدس : جمعة "الأقصى" يستحق




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق