جمعة يتم




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
كيف حالكم جميعاً ؟ أتمنى أن نكون معكم في روضٍ من رياض القرب .

اليتم ليس حالةً تختص بالجزء الشمالي من الأرض دون الجزء الجنوبي و الشرقي و الغربي منها ! 
اليتم ليسَ حالةً تحصل في بلدٍ دون الآخر .. و ليست حالةً يتألم بها أبناء دينٍ معين دون الأديان الأخرى ..!

اليتم .. حالةٌ مفجعة تورث شهقات مؤلمة و فقداً يُبقي في الوجود فراغاً لا يُسَد .. اليتم حالةٌ انفطار قلبٍ يعيشها الإنسان .. اليتم حالة يبصرها البشر و لكن من يتألم هو الإنسان . 
فليس كل بشريٍ إنساني , فللإنسانية أبعاد و أمور لا يحيط بها جميع البشر .. أن تكون إنساناً يعني أن تكون موجوداً منيراً من الداخل و منيراً في الكون .. ترتقي بنفسك و ترتقي بالآخرين .. يؤلمك ألمهم .. تتعاطف معهم , تساعدهم .. لا تتكبر على الآخرين مهما ارتقيت سلالم العلو .. الإنسانية حالةٌ أخرى يعرفها من وضع حقيبة الـ " أنانية " جانباً و حمل روحه على كتفه ليمضي بعينٍ مبصرة إن رأت فقيراً , محتاجاً , يتيماً لم تتركه و كأنها لم ترى , بل تحتمل مسؤولية عمل شيء و لو مجرد إعطاءه إبتسامة قد تغيّر يومه ليومٍ يبتسم فيه . 


 أحياناً قد يغفل الكثيرون عن آلام الأيتام .. و لكن هناك فئة تمتاز بأنها تقدم العون دوماً و أبداً لهم , أكان ذلك في وقت الغفلة الجماعية التي تجعل الآخرين يتعامَون عما يحصل , أو في وقت الصحوة المؤقتة التي يقدم بها الجميع المساعدة بحماس قد يفتر في أي لحظة . 
....
حينما يفقد الأيتام هذه الفئة , هنا يكون الفقد أشد وجعاً .. قاصماً للظهر بشكلٍ مؤلم جداً .. مفتتاً للقلب حد العويل .. و سبباً لسيل شلالات من دموع تتكوي الوجنات من حرارتها .. 

في مثل هذه الأيام , و في مثل هذه الليالي .. للأسف بشكلٍ بشعٍ جداً يتم إقصاء الكثير من لائحة الأحياء , فلسطين تعاني وجعاً و أطفالها يحتوون أضعاف ذلك الوجع في قلوبهم ..
حينما ترى يتيماً , حينما ترى كسيراً , حزيناً .. فتخلّق بأخلاق الإسلام و اسعى في أن تساعدهم و لو بمبلغ أو بوجبة , أو بابتسامةٍ ترسمها فتغير نظرتهم للحياة , أو لكلماتِ تشجيع تعطيهم سبباً في أن يحققوا أحلامهم , أو دعوةٍ من أعماق أعماق قلبك لنصرهم و رد كيد الأعداء إلى نحورهم .
و إن لم تكن مسلماً , فتخلّق بأخلاق الإنسانية و اسعى في أن تساعدهم و لو بابتسامة , بعبارة محفزة , بمدح صادق , بثناء مبتسم , بمبلغ , و بصلواتٍ ترفعها للسماء لنصرهم و ردع من لا يهمه كم طفلاً قُتِل بل كم أرضاً أخذ .


في مثل هذه الليالي يسدل السواد يتماً مفجعاً .. كاوياً للقلوب .. مؤلماً حد اللانهاية .. هو ضربةٌ في الرأس عجز عنها الأطباء .. 
هو صوائح تبعتها نوائح .. هو فقدٌ لمن كان أمل اليتامى , لمن كان ابتسامة اليتامى , لمن كان ألوان حياة اليتامى ..
فقداً لذلك الشخص الذي يأتي في الليل متعباً حاملاً معه الخبز و التمر و طعاماً لهم , حاملاً سعادةً ينشرها عليهم فيسليهم و يجلس معهم و يرسم الإبتسامة على وجوههم الصغيرة , يمسح على رؤوسهم و يعطيهم فخراً ينزع كل ألمٍ داخلي كان فيهم .. 
فقداً لعظيمٍ عشقه كل إنسانٍ كان إنساناً .. فقداً لشخصٍ حينما طلب الطبيب لبناً لإزالة السم من جرح رأسه أتى الأيتام إلى باب داره كلٌ منهم حاملاً إناءً يحوي لبناً .. كل عينٍ منهم تدمع مستغيثةً بأن لا يرحل .. فحياةٌ من دون ألوان لا يريدونها .. حياة من دون ابتسامته لا يريدونها .. حياة من دونه لا يريدونها .. 
ليس اليتامى من بكى فحسب .. فقد هذا العظيم لم يؤثر في الأرض فقط , أبناؤه , الأيتام الذين رعاهم , من ساعدهم , من رعاهم , من أنصفهم , من علمهم , من ألهمهم , كل شخصٍ .. و لا أبالغ أبداً حينما أقول بأن السماء اضطربت لفقده أيضاً .. فالتأريخ يشهد بأنه حينما ضُرِبَ تلك الضربة ! جاء نداء من مَلَكٍ في السماء سمعه أهل الأرض .. " تهدّمت و الله أركان الهدى .. " فضجت السماوات و ضجّت الأرضون ..
يتمٌ أورثه ذلك الفقد .. ألمٌ , بكاء .. شوق .. قلبٌ ينفطر .. 


و لكل من يأخذ قبساً من أنوار الإنسانية عبر التأريخ ليتكامل و يسمو .. فقبساً من هذا النور أورد وصيته في اليتامى : اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ  " 

انصروهم , مدوا يد العون إليهم , أعينوهم و شجعوهم , فهم بظرفٍ مؤلم و إن لم تحيطوا به علماً ... ليس جميلاً أبداً أن تتصرفوا اليوم و كأن لا شيء يحصل و حينما تفهمون شعورهم يوماً تبدؤون بالعويل .. ابدؤوا من الآن بالمساعدة ! 

اليتم ليس حالةً تختص بالجزء الشمالي من الأرض دون الجزء الجنوبي و الشرقي و الغربي منها ! 
اليتم ليسَ حالةً تحصل في بلدٍ دون الآخر .. و ليست حالةً يتألم بها أبناء دينٍ معين دون الأديان الأخرى ..!
و مساعدة الأيتام لا تقتصر بمن هو قريب منهم في المسافة , بل كل واحد أينما كان يستطيع التوجه للسماء و الدعاء , يستطيع إنفاق جزء من وقته لإنجاز شيء يساعدهم و لو بعد حين .. 


لكل تلك الدموع .. لا تبكِ فالبلسم و إن طال انتظاره حتماً سيأتي , و إن كان ما أٌُقَدِمُهُ اليوم لا يُقدَرُ بكثير ما تذرفينه فاعتبريه منديلاً يحاول المسح على جروحكِ لتلتئم .. 

جمعتكم لا تخلو من الدعاء للشهداء و الموتى , الأحياء و المرضى .. و كل يتيم و كل محتاج ..
و دعاءٌ يتفرد على ساحات الإدعية بتعجيل الفرج الإلهي و أن نكون من الممهدين له .. ( ادعوا بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم ) 

جمعتكم دموع تكونون سببا في مسحها ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق