جمعة " كَظْم "




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
كيف حالكم جميعاً ؟ أتمنى أن تكونوا أفضل مما أرجو لكم .

 اليوم سأحدثكم عن صفةٍ أود أن أكتسبها حد التجذّر , أريدها أن تكون صفةً من صفات شخصيتي التي تخرج عفوياً دون أن يتطلب الأمر أن أستدعي إخراجها . 



كلنا تمر علينا مواقف تجعل البعض يفقد أعصابه , و عادةً بعد إفلات الأعصاب نعيش حالةً من الندم على الجروح التي سببتها أعصابنا المتروكة . 
الصفة التي أريدها بشدة هي صفة " كَظم الغيظ " , من يملك هذه الصفة ينعم براحةٍ لا يعيشها من يترك أعصابه تفعل ما يحلو لها . 

فأولاً سيحظى باحترام نفسه , ثانياً احترام الآخرين , ثالثاً سيعيش راحةَ بال حيث أنه سيتجاهل سفاسه الأمور و لن يتلف أعصابه على كل صغيرةٍ و كبيرة , أيضاً سيحظى بمساحةٍ هائلة يمكنه فيها فعل الكثير من الأمور بدل إضاعة الوقت في المشاجرة أو البكاء على أمورٍ لا تستحق منه إضاعة يومه , خامساً كظم الغيظ في هذه المواقف سيجنّب الشخص الإعتذار و الشرح على تصرفه الذي أفلت فيه أعصابه .
و على ساحة السماء فإن هذه الخصلة تملّك الإنسان صكَ الحصول على حسناتٍ تتلوها حسنات كُثُر .


من يكظم غيظه يحصل على مميزاتٍ في حياته يمتاز بها على من لا يحمل هذه الصفة .. 
مؤسس شركة صرف من عمره ما يقارب ال20 سنة ليؤسسها و يديرها و يطوّرها .. و بعد مجهود 20 سنة , بعد تعبٍ دام عشرين سنة .. يأتي عميلٌ إلى مكتبه صارخاً : شركتكم أسوأ شركة , فكيف لكم أن تجعلوا المنتج يصل إلي بهذا الشكل ؟ . 
فلنتخيل الموقف التالي من جهتين كمثالٍ فقط .. المدير رقم 1 ( مدير يفلت أعصابه ) , المدير رقم 2 ( مدير يمسك أعصابه ) . 

المدير 1 : سيحاول تهدئة العميل أولاً .. و لكن العميل بقي مصراً على الصراخ و بقي مصراً على أن هذه الشركة هي أسوأ شركة مرت عليه في حياته كلها و سيذهب للمحكمة .. فصرخ المدير قائلاً : أنت لا تعلم شيئاً عن هذه الشركة, أنا تعبت لأجعلها هكذا و هي الآن تحتل هذا المركز ( و ريما يعطي معلومات لا حاجة لها ) و أنت ستأتي لتقاضيني على شيء تافه كهذا .. بالطبع العميل سيشعر بأن هناك صفعة موجهة له إن كان شراؤه من الشركة و المنتج السيء الذي حصل عليه يعتبر أمراً تافهاً فهذه الشركة لا تقدّر عملائها ! فسيخرج مشيعاً سمعةً سيئة عن كل من يسأله عن هذه الشركة . 

المدير 2 : سيحاول تهدئة العميل أولاً .. و لكن العميل بقي مصراً على الصراخ و بقي مصراً على أن هذه الشركة هي أسوأ شركة مرت عليه في حياته كلها و سيذهب للمحكمة .. بكل هدء يطلب المدير من العميل المناقشة للتوصل إلى حل و إن لم يكن هناك حل يرضيه فيمكنه حينئذ التوجه للمحكمة .. تم إحضار الموظف الذي تسبب في مثل هذا الخلل فاعتذر من العميل , و تمت المناقشة بهدوء و تم تعويض العميل بمنتج بديل مجاناً بعد أن اتضح أن الخطأ هو خطأ نتج من الشركة . خرج العميل مسروراً , و خرج الموظف موقراً بكل احترام بعد أن ناقشه المدير في أن لا يتكرر هذا الخطأ مجدداً , و حافظ المدير على مكانة الشركة و عملائها .

  * لا يحتاج الموقف أن يكون كبيراً و عظيماً ليؤثر فيه تصرفك بالمستقبل .. فحتى الأحداث و التفاصيل الصغيرة و كيفية التعامل معها سيؤثر تأثيراً كبيراً على مستقبلك و ما ستكون عليه .  

كظم الغيظ يحافظ على العلاقات و يجعل الإنسان محاطاً بهالة من الرزانة و الهيبة التي تجلله . 
كظم الغيظ يرسم مستقبلاً يخلو بقدر الإمكان من الاعتذارات و الشروحات , و يكسب الإنسان احتراماً من أصدقاءه و أعداءه .


كظم الغيظ من الصفات التي حينما تدمج مع العقل تكون خصلةً  تستحق أن يبذل الشخص مجهوداً و يصرف وقتاً من عمره ليدرب نفسه عليها , فما سيجنيه من ثمارٍ منها تستحق ذلك . 
من الأشخاص الذين امتلكوا حلماً و كظماً للغيظ بدرجةٍ لا مثيل لها .. النبي الأكرم المصطفى محمد صلى الله عليه و آله و سلم , و حفيده الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام . من يقرأ عن مواقفهما في الإحسان و الحلم و كظم الغيظ سيحيط علماً ببعض عظمة تلك الهالة التي تحيط بمن يمتلك هذه الصفة .

جمعة تمر و أنتم تحملون هذه الصفة إلى آخر المواقف في حياتكم ,
و جمعة تمر و نحن نعقد عزماً للحصول عليها و تأصيلها في داخلنا .
جمعتكم هيبةٌ تحيط بكم و تكبر مع كل خُلُقٍ حسن جديد تضيفونه .

جمعتكم دعاءٌ للشهداء , الموتى , المرضى , الأحياء .. و كل محتاج .
و دعاءٌ يتفرد على ساحات الأدعية بتعجيل الفرج الإلهي و أن نكون من الممهدين له .

جمعتكم مباركة .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق