جمعة وفاء .




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 
كيف حالكم جميعاً ؟ أتمنى أن تكونوا ممن يفوح منهم عطرُ الوفاء جمالاً .

" أحياناً نواجه صِعاباً لا يمكننا الوقوف أمامها .. عثراتٍ لا نعرف كيف نتخطاها .. و لربما صفعات وُجّهت لنا من الخلف , في كل هذه الأوقات نحتاج شخصاً يمتلك وفاءاً يجعله يساعدنا .. أصحاب هذه الخصلة نادرون , مميزون , يمتلكون نوراً مهيباً يجعلهم يمتلكون قلبك و يؤثرون فيه لدرجةٍ تصنعك وفياً آخر " 

الوفاء: جمالٌ فِطري , صفة إنسانية بحتة .. لا مصالح و لا ماديات تدخل فيها , بل شعورٌ يبقى شامخاً في أكثر اللحظات سواداً و ضيقاً و اختناقاً . 


سأحدثكم عن وفاءٍ متميّز .. عن أمٍ وفت للأبناء حد الإيثار , عن ابن لم يبالِ بقطع كفِّه من أجل الوفاء , عن إخوةٍ بوفاءٍ كامل دافعوا عن أخيهم و لم تخفهم تلك الأسلحة , عن أختٍ ضمت أمها بعد هذه المجزرة و كلٌ منهم تحضن وفاء الأخرى .. عن نوائح فُتحت جروحها و لكنها أبداً لم تندم على الوفاء الذي قدمته .. 

أحياناً يكون الوفاء كبيراً جداً لدرجةٍ تأخذ الدماء و الأنفس .. و أحياناً يكون الإيثار وفاءاً وصل لدرجة الكمال 
تارةً يتواجد في الوفاء بالعهد , و تارةً يظهر في الوفاء للإنسانية 
أحياناً يتمثل الوفاء في موقفِ تربيتِ أخٍ على كتف أخيه , أحياناً يتمثل في اعتناء الجدة بأحفادها 
الوفاء هو تلك الصدور التي أودعت الجمال حفاظاً على معتقداتها و بذلت ما تستطيع حفاظاً على الجمال .
اينةٌ تترك ما تحب لتساعد أمها في المطبخ .. وفاءاً لحق أمها و حفاظاً على جمال العلاقة بين الأم و الابنة 
ابنٌ يترك ما كان سيجعله على قمة المجد لأن ذلك الطريق الذي سيوصله سريعاً كان طريقاً يدوس فيه على إنسانيته و على أجساد البشر .. وفاءً لإنسانيته و وفاءً لمعتقداته و لتربيةٍ تعب عليها من جعله في هذا المستوى , حفاظاً على جمال هذه الأمور 



طفلةٌ لم تتجاوز سنينها ال10 تجعل اختها الصغرى تقف خلفها لكي تمنع السلم الذي سيسقط من أن يصل لأختها فيؤلمها .. 
قرأت في التأريخ عن إيثاراتٍ و وفاءٍ منقطع النظير أعجز عن وصفه .. 
مواقف كثيرة لا يمكننا أحياناً أن نفسّر الوفاء الكامن فيها , الإنسانية المتمثلة فيها .. و لكن يمكنني القول إيجازاً : 
كل موقفٍ يحتوي وفاءً و يرسم وفاءً .. هو موقفٌ يجعلنا نقف احتراماً .

لكي تكتسب الوفاء .. انظر إلى أقصى درجات الوفاء .. خذ منها قَبَساً ينير حياتك .. تعلم أنك حينما تؤمن بشيء و تتأكد من صحته ( لا إيماناً فقط .. بل إيمانٍ بعد تأكد ) ستستطيع أن تبذل لأجله أي شيء , بل كل شيء وفاءً له .
قد تعجز عن الحركة للحظات اندهاشاً .. اعجاباً .. بل احتراماً لهيبة .. بعدما تقرأ أو تكتشف عن بعض الوفاءات و الإيثارات .
الوفاء الأكمل هو ذلك الوفاء الذي يجعل العين تمتلأ دموعاً .. يؤثر في القلب حتى و إن لم تعطه تصريحاً للدخول و التأثير .. يترك انطباعاً محفوراً بدقة لا يمكنك محوه بعد ذلك . 

اعجز عن وصف الوفاء .. لأنني تعرفت على وفاءٍ قد لا يُتصوّر وجوده بين بني البشر 
وفاءً قادراً على أن يجعل صاحبه يمحو اسمه و يقدّم ذلك النور على رغباته .. وفاءً استطاع أن يجعل صاحبه يترك الدنيا بأهلها , يبذل كل ما يملك وفاءُ لذلك النور المتسع .
وفاءً يتوقف العظماء عنده ليقتبسوا منه عظمةً ترشدهم لدرب الخلود .

من يقرأ عن الوفاء , عليه أن يفهم تضاريس الوقت الذي حصل فيه ذلك الوفاء , عن معتقدات أصحاب الوفاء .. ليفهم كيف حصل ذلك الوفاء .
من يقرأ الوفاء عليه أن يكون قارئاً عادِلاً .. فالوفاء صفة إنسانية , لا تحتكر في مجموعة ٍ أو في شخصية واحدة فقط .. فمن يقرأ عن الوفاء سيشعر باحترامٍ لكل إنسانٍ حمل هذه الصفة سواءً كان ينتمي لمعتقده أم لا , سواءً كان من نفس بلده أم لا .. سواءً كان من نفس زمنه أم لا ..
من يقرأ عن الوفاء هكذا .. يمكنني القول أنه يوماً ما سيسطّر أحرفاً عظيمة من الوفاء .


أعيد القول : " كل موقفٍ يحتوي وفاءً و يرسم وفاءً .. هو موقفٌ يجعلنا نقف احتراماً . " 
يمكنك التدرج في قراءة الوفاء من الوفاءات الصغيرة إلى الوفاءات الأعظم .. و إن كنت ممن يريدون القفز لقراءةِ وفاءٍ وصل حداً تعجز الإنسانية عن وصف نوره فأنصحك القراءة عن وفاءِ أم البنين , و أبو الفضل العباس .

في صفحاتِ التأريخ و في صفحات الواقع هناك أشخاص يستحقون منا أن نحترمهم لأنهم احترموا شيئاً فقاموا بالوفاء له .
لكل قارئٍ الآن  قد قام و لو يوماً واحداً من حياته بفعلِ وفاءٍ من نوعٍ ما .. تحية احترام 

جمعتكم وفاء تحترمونه قبل أن يحترمه الآخرون 
جمعتكم وفاءٌ يجعلكم لا تنسون الشهداء و الموتى من الدعاء ..
جمعتكم دعاءٌ للأحياء و المرضى و لكل محتاج ..
 و دعاء يتفرد على ساحات الأدعية بتعجيل الفرج الإلهي و أن نكون من الممهدين له . 
جمعتكم وفاءٌ ترسمونه اليوم فيسمو بكم إلى مراتب العظماء .

جمعتكم مباركة .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق