ملحمة خالدة , انتصار الدم






لمن يركز في الصورة أعلاه جيداً , سيرى مجموعةً من القيّم العالية المكتوية في الأعلى ( السمو , الأخلاق , مبادئ ... ) و هذه الأخلاقيات العالية هي ما تكمّل الإنسان ليكون إنساناً بمعنى أن يكون إنساناً خيّراً بكل شيءٍ ينبض فيه من الداخل و بواطن نواياه .
في كل سنة أعتنق و أكتسب المزيد من الدفعات التي توجهني إلى تلك الأخلاقيات السامية حينما أتعمق في كربلاء أكثر و أكثر . 
هي نفس القصة , نفس الملحمة , نفس الانتصار .. و لكن كل سنة أتعلم المزيد و المزيد , فهي لم تكن قصة خيالية بل أناسٌ فعلاً قاموا بكل تلك التضحيات  و صبروا !, قدّموا كل ما يملكون لهداية الناس إلى الطريق الحق امتثالاً لأمر الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر, ضحوا بكل ما يملكون من أجل تخليص الناس من حكم يظلمهم , صبروا صبراً وَصفُهُ يهزّ الجبال , فقدوا أناساً مخلصين حد الوفاء -الذي كنت أتصوره خيالاً فقط- و لكن في العاشر رأيت من كانوا أوفياء بشكلٍ يفوق الكمال كمالاً ! , تعلمت منهم كيفَ تحل المشكلة بترتيب يبتدأ من إيجاد أي شيء مشترك في الأرضية و محاولة النصح و الإرشاد و جعل القتال آخر حل من الحلول كلها .. فقد استخدموا النصح و التذكير , و حين بدأ المعركة لم يكونوا هم من بدأوا القتال , و هذا يمكن تطبيقه على الحياة اليومية لمن يتعلمه , رأيت من ضحّى بكفوفه من أجل إيصال الماء للعطاشى من آل بيت النبي , رأيت من ضحّى بعينه من أجل الوفاء بعهده .. رأيت أن كل هذه الأمور قد حصلت في الواقع مما يعطيني دفعةً أكبر مما توقعته في حياتي كلها لأسعى لأكون شيئاً يحمل خصائصاً جميلةً جداً .. هناكَ رأيت تجليّاً لأعلى صور العبودية لرب العزّة و الجلال , رأيت أبطالاً يتقدمون بامتياز شجاعة لا نظير لهم فيها , كلهم يفدون سبط النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بأنفسهم ! لأنهم يعلمون أن النبي إذا قال شيئاً فهو صادق لا محالة فيه ( إن هو إلا وحيٌ يوحى ) و قد قال النبي الأكرم " الحسين و الحسين سيدا شباب أهل الجنة " , أي أنهما يحملان قطعاً الإيمان الخالص الذي يدخلهما الجنة بل و يحملان مرتبةً خاصةً جداً أهلتهما ليكونا ليسا داخلين عاديين للجنة , بل سَيِدَين فيها .. لا شك أنهما في كل خطوة من حياتهما يخطوان قرباً من السماء وفقاً للإيمان بالقرآن و السنة !. مما رأيته أيضاً , نساءٌ كالجبابرة وقفوا بشموخ و هم يحثون أولادهم و أزواجهم للدخول في المعركة ليحاموا عن سبط الرسول الأكرم , ابن سيدة نساء العالمين , ابن باب مدينة علم الرسول الأكرم , و سيد شباب أهل الجنة و ليحاموا عن محارمه بكل ما أوتوا من مقدار أنفاسٍ متبقية لهم في الحياة . 
رأيت صغاراً و كباراً , كلهم قلوبهم معلّقة بسيد شباب أهل الجنة , رأيت منهم برهاناً للوفاء المتجلي بالعزة و الكرامة بأبهى صورة , تعلمت منهم الجهاد و الشهادة و موطنها الحق , تعلمت فكراً و مواساةً لبني البشر , تعلمت الكرامة و البهاء و الهيبة و الأهداف السامية . 
,
تعلمت من كربلاء كيف يمكن للدم أن ينتصر على السيف , و أحمد الله آلاف المرات على أنني أرى هذا الانتصار الذي يخلّد تلك الملحمة حتى بعد كل هذه الفترة الزمنيــة الطويــلة .. تعلمت أن مصارع الكرام أجمل من إعطاء يدك إعطاء الذليل للحكام الجائرين .. و لكل من قرأ عن تأريخ عاشوراء فإنه يعرف ما حصل بعدها لمن كان في المعسكر الذي قتل سبط النبي الأكرم , و على رأسهم قائدهم عمر ابن سعد الذي جاء لكربلاء فقط من أجل أن يحصل على حكم منطقة الري .. و بعد انقضاء عاشوراء إلى موته لم يحكم الري بل عاش أياماً ممتلئة بشناعة قبح ما أقدم عليه من أمر مهول .
تعلمت من كربلاء كيف تكون المرأة جبلاً شامخاً من الصبر ! , تعلمت من عاشوراء دروساً قيّــمة جداً , كان هناك موقفٌ مؤلمٌ جدا .. حينما أخذ الإمام الحسين عليه السلام ابنه الرضيع و حمله طلباً من المعسكر الآخر أن يسقوا هذا الطفل الذي لا ذنب له بالحرب شربة من الماء ( قد حبس المعسكر الآخر الماء عن معسكر سبط رسول الله لربما كانوا يظنون هكذا أنهم يطوقون عليهم و يجبرونهم للإستسلام , كان الطفل الرضيع يبكي و يرتعش مما عراه فهو لم يرضع من امه لعطشها الذي جعلها لا تحمل ما ترضعه إياه , فحمله أبوه الحسين عليهما السلام ليحصل له على شربة ماء ) و كان جواب القوم مفجعاً لا رحمة فيه ! فقد رموا سهما أصاب نحر الرضيع قتله من الوريد إلى الوريد و رفرف الطفل إلى جنات الخلد شاهداً على جرائم أولئك   . لقد حمل يوم العاشر فجائع تدمي القلب , تبكي الألم نفسه !  الإمام الحسين عليه السلام قال  هوّن علي ما نزل بي أنه بعين الله , أوهل رأيتم فجائع متتالية بقدر ألم ما حصل في كربلاء و بقدر مميزات من تم فقدهم هناك ؟! أوهل رأيتم من قال ذلك غير الحسين عليه السلام أمام هذا المقدار من المصائب ؟! 

من يتعرف على كربلاء من قرب يرى دموعاً تخرج من كل الموجودات لذكرها و لا أبالغ في ذلك , فكل القيم الإنسانية تمثلت بهيبة عاشوراء في معسكر الحسين عليه السلام ضد أولئك الظالمين الذين مثلوا دناءة ادعاء الانتماء لشيء بنفاق و حبهم لمصالح أنفسهم, يمكنك أن ترى كل الكمالات الإنسانية من وفاء مهيب و عطاء لا محدود في معسكر الحسين عليه السلام .. أمام خسّة أناس تخلوا عن كل قيمة إنسانية ممكنة من أجل دنيا لن يدوم يقاءهم فيها طويلاً أبداً ,كل من خلّد التأريخ ذكرهم بكل طهارة و ذكرهم مخلّد في كل قلوب من يقترب من حياتهم الطاهرة .. ضد من خلّد ذكرهم بدناءة ما فعلوا ! و من هنا تعلمت أن مواقفي في الحياة هي من تحدد كيف سيخلّد ذكري بعد موتي , و للكريم أن يختار أي ذكرٍ يريد أن يتذكره به الآخرون

و لا أزال أتعلم من كربلاء أوسمة الكمال , عجبٌ كيف أن نستقي كل تلك الفضائل ممن كانوا عطاشى , فسلامٌ على كل أرواح الشهداء المؤمنين . 
لمن لا يعرف فجائع كربلاء و لا يزال لم يتعلم منها , فإنك تستطيع بكل سهولة أن تقرأ عن تلك المصائب من المصادر الموثوقة , حينما تدمع عينك و تتعلم و لو درساً واحداً فقط فأنا أسألك الدعاء . 

,



ألوف مجنّدة لقتل سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و أصحابه الحق , و هو بلا ذنبٍ فعله اتجاههم و التأريخ شاهدٌ بمصادره على أن الحسين بن علي عليهما السلام لم يقدم حتى ببدأ القتال مع هؤلاء القوم حتى بعد أن وعظهم و ذكرهم ! يكفي أن كان العرب يفخرون (بغيرتهم و شيمتهم) و كل أولئك الذين حاربوا الحسين عليه السلام لم يحملوا هاتين الخصلتين و الدليل على ذلك حينما هجمو على النساء من حرم الرسول صلى الله عليه و آله و أصحابه الحق و سلم و لم يرعوا للرسول الأكرم حرمة و لا لسبطه الغيور على حَرم رسول الله, ظلموا الحسين عليه السلام و خسروا دنياهم و عروبتهم و خسروا أخراهم حينما قتلوا سبط نبيهم صلى الله عليه و آله و سلم الذي أمر الله عز و جل كل المؤمنين في كل بقاع العالم بالصلاة عليه في الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ) .
,

تلك الملحمة الخالدة , ستبقى شاهدةً على انتصار الدم على السيف , و على انتصار العدل ضد الجور , و على انتصار الأمر بالمعروف على إدعاء الانتماء للإيمان .
تلك الملحمة الخالدة , ستبقى ناراً تحترق في قلب من يمر بمحاطتها و يكتسب منها ذخيرةَ الأخلاقيات السامية . 
تلك الملحمة الخالدة لا تختص بمجموعة محددة للناس , بل هي ملحمة تأريخية عالمية لكل فرد كان يطالب بالعدل ضد الجور , لكل بقعة تطالب بحقوق الناس ضد حكام الظلم .

 " طرز حياته بسندس تضحياته , و من توصياته لا ترضى بالغاشم .. لو حد يقتلك بس لا حد يذلك "  #مما_سمعت 

عظم الله أجورنا و أجوركم بذكرى استشهاد سيد الشهداء سبط الرسول الأكرم , بدموع الرثاء نتقدم بالعزاء لمقامكم . 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق