و بدأ مغيب ذلك الدفء .. بدأ غياب تلك البسملة الزكية المبتسمة
و بدأت كل الألوان بالذبول فقدا لابتسامة صبحها التي تشرق على وجوه اليتامى
ليُرخِيَ الليل سواده حزناً , ألماً , وجعاً , و حنيناً لذلك النور الطاهر
تتكوّر الدنيا على نفسها لمن ستفقده الليلة , فهو شخصٌ ملكوتي بحق
شخصٌ أفنى حياته بكل جميل , بلسمٌ للجروح , جَبَلُ صبرٍ , كرارٌ غير فرّار
شخصٌ فراقه يترك القلب مهدّماً , شخصٌ فَقْدُ نوره أدمى العيون
كان قبل كل شيءٍ إنساناً يطبق القيم الإنسانية في كل زاوية من زوايا حياته
كان مِصداقاً يتبع القرآن في كل حركاته و سكناته , فجسّد القرآن حتى أصبح قرآنا ناطقاً
كان و لا يزال طريقاً من اتبعه و سار فيه وصل إلى معالي السماوات
هوَ عليٌ . من حبّه جنة , هو عليٌ قسيم النار و الجنّة
هو عليٌ . من جاء من السماء نداء باسمه : لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي
هو عليٌ من قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حقه من كنت مولاه فهذا علي مولاه
هو عليٌ الذي يسير في الليل إلى المحتاجين ليمسح عليهم , ليساعدهم , و ليجبر بخواطرهم
هو عليٌ الذي قال لليتامى لكي لا يستحيو ممن يسألهم قولو لمن يسألكم من والدكم والدنا علي بن أبي طالب
و كفى بهذا الاسم أن يجعلهم يقفون فخراً و عزة عند ذكره
هو عليٌ الذي كفل اليتامى تحت جناحه النوراني , من يأتي إليهم ليواسيهم و يسمعهم
هو عليٌ الذي في الليلة التي كان مريضا فيها افتقد اليتامى حضوره فظلو ينتظرون باحثين عن ذلك النور الحنون
هو عليٌ الذي عند مرضه جلس اليتامى عند باب بيته حاملاً كلٍ منهم إناء لبنٍ لكي يستعيد عافيته
هو عليٌ الذي خسارته تعادل غروباً للقمر لسواد ليلٍ بلا ضياءه
هو عليٌ الذي اغرورقت عينا سيدا شباب أهل الجنة لفراقه
هو أمير المؤمنين عليٌ عليه السلام .
ذلك النور الساطع الذي كان مزيجاً متجانساً فريداً جُـمِعَت فيه الأضداد الخيّرة فَ كان علياً
شجاعٌ مقدام يجاهد في سبيل الله دون تردد , وحنونٌ كريم .. يقيم الحجة , و يمهل للتوبة
هو نورٌ طُهرٌ ستبقى فضائله منيرةً خالدةً كـ الأبد .
بمثل هذه الليلة احمّرت السماء و تصاعدت النوائح و جرت الدموع و تحطّمت القلوب .. لفراق علي.
مصابٌ أبكى السماء و قتل الفؤاد , تركَ جرحاً عميقا في قلوبنا.. لنكون من بعده أيتاما .. فبكل أحزان الحداد تأتي هذه الليلة بسواد سماءها .
عظّم الله أجورنا و أجوركم , و عزاءٌ يرفع لمقام الإمام المهدي عجل الله فرجع الشريف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق